الاثنين، 5 مارس 2018


الحذر من المكر والخداع والخيانة 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي 
في خلافة امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكعادتة اليومية واثناء طوافه في المدينة وتفقده احوال الرعية عثر على جثة رجل قتيل بطعنة سكين في بطنه , وقد جُرّت " سحبت " الجثة على الأرض جرّاً "سحبا ", وألقيت " و رميت "في العراء , ولم يجد أثراً يستدل به على القاتل , كما لم يتقدم أحد للإدلاء بشيء عن الجاني أو بذكر صفة من صفاته مما زاد في قلق امير المؤمنين عمر رضي الله عنه , فكان يدعو الله قائلاً : " اللهم بصرّني بالقاتل " . وتوالت الأيام ومرت الشهور دون أن يظهر أي خيط من خيوط الجريمة وبعد تسعة أشهر عُثر على طفل حديث الولادة ألقى في نفس المكان الذي أُلقيت فيه جثة القتيل , ولما رُفع الأمر إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: هذا أول خيط , الآن ظفرت بالقاتل . وأخذ الطفل , وعهد به إلى امرأة ذات فراسة , وطلب منها أن تحمل الوليد , وتتجول به بين البيوت , عارضة الطفل على من تُرضعه بدعوى أن الطفل يتيم الأبوين , وأوصاها أن تتفرّس في وجه كل امرأة تُرضع الطفل , وتلاحظ مدى انفعالها وتأثرها وما يظهر على قسمات وجهها من مشاعر وأحاسيس لافته للنظر . فحملت المرأة الطفل وشرعت تجوب البيوت بيتاً بيتاً تسأل عن مرضع , ومن بين عدة بيوت لا تجد إلا بيتاً فيه امرأة مُرضع , ومضت أيام وأيام , وفي كل يوم تخبر أمير المؤمنين أنها لم تجد شيئاً غير عادي , فكان يحثّها على مواصلة السعي والاستمرار في بذل أقصى الجهد . وفي يوم دخلت بيت امرأة شابة , فقالت لها : يا أختاه , هل لك في إرضاع طفل وليد يتيم الأبوين وأجرك على الله ؟ فتناولته الشابة , وما أن وضعته على صدرها ونظرت في وجهه حتى اضطربت , واحمرّ وجهها وظهرت علامات التأثر والانفعال في قسمات وجهها , ثم ألقمت "اعطت "الطفل ثديها , وفي صمت شرعت ترضع الطفل ودموع غزيرة تتساقط من عينيها على خديها وعلى وجه الطفل . كانت المرأة تراقب بدقة , وتلاحظ مشاعر الشابة وأحاسيسها تجاه الطفل ثم أخذته وانطلقت مسرعة الى أمير المؤمنين , وأطلعته على أمر الشابة وما بدر منها تجاه الطفل ، فأرسل في طلبها , ولما مثلت بين يديه , سألها : ما حكايتك مع هذا الطفل ؟ تكلمي بصدق , واياك أن تكذبي , فشرعت تبكي في حرقة ولوعة وأسى ثم قالت : يا أمير المؤمنين , خرج أبي مجاهداً في سبيل الله , وتركني في البيت لوحدي , وأوصى بي امرأة عجوزاً لتقضي الليل معي حتى يعود , وكانت المرأة العجوز تأتي كل ليلة , وتبيت في فراشي حتى الصباح , ثم تتركني . وذات ليلة أحضرت معها امرأة وقالت : يا ابنتي , إن هذه المرأة ستبيت الليلة عندك بدلا مني , لأنني سأزور أقارب لي , وأبيت عندهم , وباتت المرأة معي في الفراش , وفي جوف الليل وأنا أغط ّ في نوم عميق استيقظت فجأة على رجل يغتصبني , فما كان مني إلا أن طعنته بسكين في بطنه . فقتلته , وما كانت المرأة التي نامت في فراشي إلا هذا الرجل الخائن الغادر الذي تخفى في ثياب امرأة , ثم أخذت أجر " اسحب " الجثة بعيدا عن العيون , وألقيتها " رميتها " في العراء بعيدا عن بيتي . ومضت أيام وأيام وإذا أشعر بعلامات الحمل , فأخفيت حملي إلى أن ولدت هذا الطفل , وبعد أن ولدته وضعته في مكان أبيه . هذه حكايتي يا أمير المؤمنين من أولها إلى آخرها . 
كان عمر رضي الله عنه يصغي إلى المرأة الشابة في تأثر عميق إلى أن فرغت من كلامها ثم قال: ( عجبت لقاتل يدخل الجنة , ومقتول يدخل النار ) . هذه المرأة العجوز التي وثق بها والد الفتاة , وأمنها على ابنته مدة غيابه , خانت الأمانة , وغدرت بالفتاة , وأسلمتها إلى رجل منافق متخفي في زي امرأة ليبيت عندها ويعتدي على عرضها . 
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف , وإذا اؤتمن خان ) رواه البخاري . 
أما ذلك الرجل المنافق الغادر الذي لا يستحي من الله , فقد استغل وجود شابة وحيدة في بيتها , وفي غفلة منها اغتصبها فكان كالحية الناعمة الملساء التي لدغت الضحية , ولقد نال جزاءه العاجل بطعنة سكين مزقت أحشاءه , ومات عاصياً لله إذ فارق الدنيا وهو يرتكب الفاحشة , فيا لسوء الخاتمة !!! فالمرء يبعث يوم القيامة على ما مات عليه ولقد شدّد الإسلام في الأمانة والعهد , فجعل رعاية الأمانة والوفاء بالعهد من سمات النفس المؤمنة , وجعل خيانة الأمانة وإخلاف العهد من سمات النفس المنافقة , فالمؤمنون إذا ائتمنوا لم يخونوا , وإذا عاهدوا لم يغدروا , يقول الله تعالى في وصفهم والثناء عليهم : (( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون )) سورة المعارج : الآية 32 . قال الرسول عليه الصلاة والسلام : " المكر والخديعة والخيانة في النار " رواه أبو داود...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

D-Mohmmed Jabbrya بقلم د. محمد جابريه 💗 سأجمع حقيبتي 💗 فاتنة انت   وكل ما فيك يثيرني حتى عندما تغضبين وح...