قصة مِعطفٌ يكْشِفُ سرقة
بقلم الكاتبة / ميمونة الشيشانى (الأردن)
اتَّسخ معطف ميساء الورديّ، فقامت أمُّها بغسله، ثمَّ نشرته على حبلٍ في الباحة الخلفيِّة للمنزل.
كانت الصَّغيرة تعشق معطفها، ولا تخلعه إلاّ في وقت نومها، وتخشى قدوم الصَّيف لأنَّها لن تستطيع ارتداءه لفترةٍ طويلة.
وقفت ميساء عند النَّافذة، وتمنَّت أن تزداد قوَّة أشعَّة الشَّمس، كي يجفَّ معطفها بسرعة، ولكن فجأة هبّت رياحٌ قويَّةٌ أدَّت إلى تحطُّم ملاقط الغسيل، فطار المعطف في الهواء الذي كان يرفعه تارة، ويُخفضه تارةً أخرى، حتَّى اختفى عن الأنظار.
لم تصدّق الصَّغيرة عينيْها، وأسرعتْ إلى الباب الذي كان يمنع الرِّياح الباردة من الدُّخول ففتحته، وبدأت تبحث عن معطفها الدَّافئ، بحثت في الجوار وبحثت، لكنّها عادتْ إلى المنزل، لأنَّها لم تعد تحتمل البرد القارس، الذي جعل دموعها تتجمَّد.
قالت لها أمُّها:" لا تبكي يا ميساء، سأبتاعُ لك معطفاً جديداً ". ولكنّها ردّت:" لا أريد سوى معطفي الورديِّ" . وأخذتْ أنفاسها تتقطَّع من شدَّة البكاء، فحضنتها أمُّها التي كادتْ تبكي حزناً عليها.
في الصَّباح وبينما كانت الأمُّ تُعدُّ طعام الإفطار، ظهرتْ ميساء وقد ارتدتْ معطف أمِّها، الذي بدا عليها وكأنَّه لعملاقٍ ضخم، ووضعتْ على رأسها قبَّعتين من الصُّوف، ولفَّتْ رقبتها بوشاحٍ طويل، وأخفت كفَّيْها داخل قفَّازيْها.
نظرتْ أمُّها إليها بدهشة، ثم أخذتْ تضحك، غضبتْ الصَّغيرة منها وقالت:" إنِّي عازمةٌ على البحث عن معطفي، ولن أسمح للبرد أن يحول دون ذلك" . ثمَّ أخذتْ ترجوها كي تسمح لها بالخروج، وافقتْ الأم على طلبها وأمرتها ألاّ تبتعد.
راحتْ ميساء تبحث عن معطفها، بحثتْ عنه في كلِّ مكان، حتَّى وصلت إلى أعلى شجرةٍ في حيِّها، وكم كانتْ سعادتها كبيرة عندما لمحتْ معطفها الورديّ يُرفرِّف فوق أغصانها، حاولت تسلُّق الشَّجرة، لكنَّها فشلتْ.
أخذت تفكِّر بطريقةٍ ما لتصل إليه، وبينما هي تفكِّر رأتْ طائرَ غرابٍ حزين جالسٍ في عُشِّه، نادته وطلبتْ منه مساعدتها ولكنَّه قال:" سألبّي طلبك ولكن بشرط" . سألته ميساء:" وما هو شرطك؟" أجاب بحزن:" إنّ صغيري مريضٌ جداً، وأريد منك أن تأخذيه إلى البيطريِّ" . حزنتْ على مرض الصَّغير وقالت:" سأفعل".
أنزلتْ الغربان العشَّ عن الشَّجرة، فأخذتْ ميساء الطَّائر المريض وانطلقتْ به إلى البيطريِّ، ولمَّا فحصه قال بحزن:" إنَّ الأزهار التي أصنع منها الدَّواء نفدت، ولن أستطيع المساعدة إن لم تتوفَّر". سألته ميساء:" أين يمكنني أن أجدها؟ كيف شكلها؟" أجاب:" لقد كانت تزوِّدني بها سيِّدةٌ عجوزٌ من هذه البلدة، ومنذ فترة لم تأتِ إلى عيادتي" . ثم فتح دُرج خزانته، وأخرج منه صورة للزَّهرة المطلوبة.
على الفور صاحتْ ميساء:" هذه الزَّهرة تنبتُ في حديقة جدَّتي، لا تقلق سأحضرها في الحال".
غادرتْ ميساء بفرح واتَّجهتْ إلى بيت جدَّتها، وما أن رأتها حتّى حدَّثتها بقصَّتها، ولكنَّها تفاجأت عندما بدأتْ جدَّتها بالبكاء، ثمّ قالت:" ليتني أستطيع المساعدة، ولكنَّ مفتاح الباب المؤدِّي إلى حديقتي قد سُرق منذ أسابيع، فقد دخل طائرُ غرابٍ من النَّافذة المفتوحة والتقطه وطار بعيداً، ولولا المطر لماتت الزُّهور".
حزنتْ الصَّغيرة ولكنَّها اتَّجهت بسرعةٍ نحو الشَّجرة العالية، وعندما رأتها الغربان أسرعت إليها، قالت ميساء:" إنّ دواء الصَّغير داخل مفتاح فُقِد منذ أسابيع". طار الغراب الأبُ، وبسرعةٍ أحضر مجموعةً من المفاتيح، وقال لميساء بلهفة:" أيُّ مفتاح تقصدين؟ أيُّ مفتاح؟"
أنَّبت الغراب وقالت له:" كِدتَ تجني على صغيرك بالسَّرقة". ثمَّ شرحت له الأمر. وتركته يبكي، ومضتْ إلى الجدَّة التي عرفت مفتاح بابها، ففتحته على الفور، وقطفتْ الأزهار، فأخذتها ميساء إلى البيطريِّ الذي صنع الدَّواء وسقاه للطَّائر، وما هي إلاّ لحظاتْ حتّى استعاد عافيته. ثمَّ أعادته على الفور إلى عُشِّه.
فرح الغراب بشفاء صغيره، وشكر ميساء التي أعطته باقي المفاتيح كي يعيدها إلى أصحابها، طار بصحبة بعض الغربان إلى أعلى الشَّجرة، والتقط معطفها الورديّ، وأعاده إليها، وقطع وعداً بأن لا يعود للسَّرقة أبداً أبداً.
النهــــاية